تتوفر على الإنترنت مراجع كثيرة عن نشأة البرمجة اللغوية العصبية (Neuro Linguistic Programming) على يد ريتشارد باندلر وزوجته ليسلي كاميرون، وجون غرايندر وفرانك كوساليك (شخص غير معروف) في منتصف سبعينات القرن الماضي. وكيف تطورت عبر السنين  وباتت الآن تستخدم على نحو أساسي ويتم الترويج لها ولتطبيقاتها كطريقة للتأثير على الزبائن وزيادة المبيعات إلى درجة تناسي أهميتها في مساعدة الأشخاص على التشافي من آلام الماضي والتطور إيجاباً في الحياة.
في العام 1979، تعرف كارل بوكهيت، مؤسس NLP Marin في أمريكا، على البرمجة اللغوية العصبية من خلال محاضرة قدمتها ليسلي كاميرون، وعمل منذ ذلك الحين على تطوير هذا العلم وتسخيره لخلق إحساس الفهم والتواصل و الأمان والانتماء وتيسير عملية التغيير الداخلي ومع الآخرين.
ويركز علم البرمجة اللغوية العصبية التحويلية (Transformational Neuro Linguistic Programming) على "تجربة الإنسان"، فالقاعدة الأساسية هي أن التجارب التي يمر بها الإنسان تتولد من برمجته الأساسية والمكتسبة، التي دائماً يكون لها نية إيجابية في الصميم مهما كانت مزعجة وبشعة من الخارج.
وهذه النوايا الإيجابية تتمحور في الحفاظ على أمان الشخص وبقائه على قيد الحياة، وبالتالي فإنها غير قابلة للتعديل من تلقاء نفسها.
بمعنى آخر، على عكس هاتفك الجوال فإن عقلك غير قادر على تحديث نفسه بنفسه والتخلص من البرمجة التي لم تعد مفيدة لك في مرحلتك الحالية.
مثال: اشتكى موظف من شعوره بأنه "غير مرئي" في الشركة التي يعمل بها، وأن مديره وزملاءه لا يلاحظون جهوده في العمل رغم كل ما يبذله. تبين من خلال الجلسة أنه عندما كان صغيراً نشأ في كنف زوج أمه العنيف الذي اعتاد أن يضرب الجميع في الأسرة. ولكن الطفل كان يختبئ وهو خائف ويركز على رغبته في أن يكون "غير مرئي" حتى لا يراه زوج أمه ويضربه مثل إخوته. وهكذا كان.
لكن هذه البرمجة ساهمت في حمايته فترة مؤقتة فقط، ولم يعد يحتاجها بعد أن كبر وانتقل إلى مدينة أخرى وأصبحت حياته مستقلة عن أسرته. ولكن بما أن "النية الإيجابية" من هذه البرمجة هي حمايته، فقد بقيت مستمرة معه ولا يمكن أن تتغير من تلقاء نفسها إلا بمساعدة محترف في هذا النوع من التشافي.
وتوفر  أدوات البرمجة اللغوية العصبية التحويلية الفرصة لإحضار ما يحدث في نطاق اللاوعي إلى نطاق الوعي ومعاينته وملاحظة ما يجري وإجراء تعديل على ما تعنيه التجربة التي يمر بها الشخص. وعلى الأخص نحاول ملاحظة النية الإيجابية المراد تحقيقها من خلال البرمجة اللاشعورية، ومن ثم نعمل على تعديل هذه البرمجة التي تؤدي إلى حصولنا على نتائج لم نعد نريدها.
والهدف الأكبر من هذا العمل هو إنهاء حالة الحرب التي يشنها الإنسان على نفسه. بكلمات أخرى، جعل الإنسان في توافق مع نفسه ومع الآخرين ومع الحياة ككل.
لا تصلح لمن لا يؤمن بمعجزة كونه إنساناً أودع الله سبحانه فيه أسرار الروح. وهو أمر طبيعي، بالنظر إلى أساليب التربية المتوارثة القائمة على التخويف والتسلط، والوعي الجمعي الذي يستهين بالإنسان ويقلل من شأنه منذ الطفولة الأولى.
وتحسب أنك جرم صغير    وفيك انطوى العالم الأكبر
مثال: سيدة في أواخر الخمسينات من العمر تشتكي من حساسيتها الزائدة وعدم قدرتها على الدفاع عن حقوقها. تم في الجلسة تطبيق تقنية "خط الزمن" للرجوع إلى جذر المشكلة والموقف الأول الذي تكونت بسببه هذه البرمجة. وقد ذكرت السيدة في البداية أنها ربما لن تتذكر ما حدث لها بدقة، ولكنها تفاجأت أنها تذكرت موقفاً حدث لها عندما كانت طفلة صغيرة في عمر السنتين أو الثلاث سنوات ودخل والدها الغرفة وكان غاضباً من أمر ما، فصب غضبه عليها وأخذ منها غطاءها المفضل ومزقه بدون أن يبالي ببكاء الصغيرة وحزنها. وهكذا تبرمجت الفتاة أنها ليس لها الحق في امتلاك أشياء خاصة وأن ما تحصل عليه قابل للانتزاع منها، وأن مشاعرها أساساً غير مهمة.
تم بعد ذلك تطبيق تقنيات معينة ساعدت السيدة على التصالح مع الأب وتشافي الطفلة الصغيرة التي كانتها، ورفدها بموارد معينة لإعادة برمجتها على الثقة بالنفس والتحصن من الحساسية الزائدة.
للأشخاص الذين يسعون في الحياة للحصول على تغيير إيجابي والبدء بتحقيق أهداف مثل: خسارة الوزن الزائد، زواج ناجح، المواظبة على ممارسة الرياضة، القبول بين الناس، الترقي الوظيفي، تكوين ثروة والحفاظ عليها، الشعور بالانتماء، الشعور بالاستقرار.. الخ، ويدركون أن هناك حاجز ما يقف في وجههم ولا يعرفون ما سببه. يعتقدون أن مساعيهم فاشلة، وبالتالي يعتقدون أنهم نفسهم فاشلون.
مثال من جلسة: اشتكى رجل في أواخر الثلاثين من قلة ممارسته للرياضة على الرغم من حاجته لها للمحافظة على صحته. فهو يتشجع لممارسة الرياضة فترة مؤقتة ثم يعود إلى كسله المعتاد. وتم في الجلسة الكشف عن جذر هذه المشكلة والموقف الذي تكونت بسببه البرمجة، وهو أنه عندما كان صغيراً في السابعة من العمر أضاع مفتاح المنزل، فتعرض لضرب موجع من والده. وهنا اتخذ الطفل قراراً لاواعياً مفاده أن الروح أهم من الجسم، لأن الروح لا تتألم ولكن الجسم يتألم. واعتباراً من تلك اللحظة صار اهتمامه بالروحانيات والجانب المعنوي أكبر من اهتمامه بالجانب الجسدي والصحة الفيزيائية، ورافقه ذلك حتى لاحظ أنه بحاجة لممارسة الرياضة لكن هناك حاجز ما يمنعه عنها. وتمكنا من خلال بعض تقنيات البرمجة اللغوية العصبية تعديل هذه البرمجة لرفع الحاجز وزيادة إقباله على ممارسة الرياضة والعناية بصحة جسمه.
بسبب استغلالها تجارياً، والترويج لها في الدورات على أنها وسيلة للسيطرة على الآخرين والتلاعب بالعقول، وتحقيق مكاسب للأشخاص والشركات في العمل.
يمكن للشخص أن يصبح ممارس معتمد في البرمجة اللغوية العصبية خلال يومين فقط وبقيمة استثمار بسيطة بين 7- 20 دولارعند بعض المؤسسات التدريبية.
لكن في الحقيقة، ما يتم تدريسه في الدورات التجارية السريعة ليس سوى مدخل بسيط أو مقدمة موجزة إلى البحر الواسع لهذا العلم النافع وتطبيقاته المتقدمة التي تساهم في تحقيق نتائج عميقة وذات أثر مستدام لكل شخص يسعى إلى تغيير واقعه من خلال تغيير ما بنفسه، وفهم حقيقة ما يدور في عالمه الداخلي والنية الإيجابية منه كنقطة بداية.
تخضع كل الجلسات لسرية تامة، وتجري كل المناقشات في بيئة خالية تماماً من الأحكام المسبقة، حيث يكون التركيز على تجربة الشخص والمواقف التي أدت إلى تكون البرمجة المعيقة والحواجز اللاشعورية.
كل جلسة تستمر بين 60-90 د، أطرح فيها على الشخص مجموعة أسئلة معينة وبطريقة معينة تخاطب العقل وتحثه على الاستجابة. وبناء على ذلك أطلب من الشخص اتباع إرشادات محددة مثل النظر بزاوية معينة أو تثبيت عينيه في جهة معينة، وأن يضغط على مكان معين من ذراعه ويتخيل أشياء معينة. وكلما كانت استجابة الشخص أعلى كلما تمكنا من إرخاء مقاومة العقل والحصول على المعلومات التي نريد العمل عليها على نحو أفضل.
فالمواقف التي يمر بها الإنسان تتخزن على هيئة فيديوهات وصور، والمشاعر المرتبطة بها هي التي تضفي عليها المعنى. ونحن في جلسات البرمجة لا نؤثر على العقل، ولا نغير تفاصيل الموقف بل نغير معناه، وهكذا يتمكن الشخص من التخلص من الألم والسم الذي رافقه سنوات طويلة بسبب الموقف.
وبعد أن تترسخ البرمجة الجديدة لدى الشخص (المدة الزمنية تختلف من شخص لآخر)، يبدأ بملاحظة التغيير في حياته ويبدأ بالحصول على أكثر مما يريد وأقل مما لا يريد.
بعض التطبيقات المستخدمة أثناء الجلسات:
- خط الزمن للعودة إلى الموقف الأساسي الذي تكونت فيه البرمجة المعيقة.
- رفد الطفل الداخلي بموارد يحتاجها (Resourcing) حتى يتمكن الشخص من التصرف بطريقة مختلفة عن المعتاد
- تقنية الأجزاء (Parts) للتواصل بعمق مع الجسم وجعله يتعاون معك للوصول إلى أهدافك.
- تقنية طاولة عشاء الأسرة (Family Dinner Table) للتصالح مع جراح الطفولة التي تسبب بها أحد الوالدين أو كليهما.
- تقنية تحرير الصور الذهنية للتحرر من سم الذكريات المؤلمة.
- تقنية العين السحرية (Three EYE Monte) للتخلص من المشاعر السيئة المرتبطة بمواقف معينة تعيق الشخص عن التقدم إلى الأمام.
لا مطلقاً، بل هي وسيلة متاحة يلجأ إليها الشخص عندما يدرك أنه هو المسؤول الأول عن اختياراته وعن النتائج التي يحصل عليها. وعندما يشعر أنه محتاج للغوص في أعماق نفسه، والتصالح مع طفله الداخلي، وفهم أسباب التجربة التي يعيشها، ويريد أن يساعد نفسه بالتخلص من المعيقات اللاشعورية والانتقال إلى مرحلة أفضل في الحياة.